علي حسين عبيد
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
جرت العادة بين الناس أن الأبناء يشبهون أباءَهم، وليس كما ورد في عنوان المقال، الذي يشير إلى ان الآباء يشبهون أبناءَهم، والحقيقة أن الأب ربما يحرص في بعض الحالات على أن يكون ابنه نسخة منه، وقد يحدث هذا التشبّه للأبناء بالآباء، بصورة طبيعية وغير مخطَّط لها، فالأبناء كما هو متعارف، يفتحون عيونهم على محيط العائلة.
والعائلة مكوّنة من الأب والأم والأفراد الآخرين، لكن الطفل يرى في أبيه نموذجا وقدوة له، وهذا الطفل لا يمكن أن يفضّل رجلا أو بشرا آخر على أبيه، خصوصا إذا كان الأب من طراز الآباء الناجحين المهتمين بالأسرة أكثر من أي شيء آخر، هنا يبدأ الابن في لحظات الوعي الأولى يتسقّط حركات أبيه وكلماته، وما يميزه في العمل أو في أي شيء آخر.
ويسعى الطفل من دون إرادته وبلا قصدية أن يتشبّه بأبيه حتى في شكله وملبسه وحركاته، ومع مرور الزمن، تنشأ نسخة جديدة من شخصية الأب، ونادرا ما يظهر الابن خلافا لأبيه، ولو أننا اجرينا إحصائية ميدانية دقيقة لنسبة تشابه الأبناء بالآباء، من حيث طبيعة ونوع العمل أولا، ثم المواصفات الأخرى كالملبس والتصرفات الأخرى.
نلاحظ في هذا الجانب، أن هناك عائلات طبية كاملة، الأب طبيب و زوجته كذلك، ويأتي الأولاد (ذكورا وإناثا) ليكملوا العائلة الطبية بشكل كامل، ويمكن أن نجد عائلات بصفات عملية أخرى، كأن تكون عائلة هندسية مكونة من مجموعة مهندسين تجمع الأب والأم والأولاد في هذه المهنة أو تلك، واليوم كما نلاحظ يتدخل الآباء والأمهات بشكل كبير في اختيار مستقبل أولادهم، وتحديد نوعية وماهية هذا المستقبل، حتى لو كان الابن (ولدا أو بنتا) رافضا لاختيار الأب والأم، ويفضل الذهاب في مجال آخر.
قلّة من الآباء والأمهات يستجيبون لأولادهم ورغباتهم واختياراتهم، كونهم يرون مصلحة هؤلاء الأولاد في ما يختارونه لهم، وليس في ما يختاره الأولاد لأنفسهم، فالآباء والأمهات، ينظرون إلى أبنائهم أطفالا صغارا حتى وإنْ تجاوزوا سن البلوغ، وهذا ما نلاحظه شائعا في المجتمع العراقي، لا سيما في ظل الطفرة السكانية الكبيرة، التي جعلت تعداد المجتمع العراقي يفوق الأربعين مليون نسمة.
هناك آراء لبعض علماء الاجتماع، تؤكد أهمية ألّا يضغط الآباء على أبناءهم ويحرموهم من الخيارات الخاصة، والرغبات الذاتية التي تفتح الآفاق واسعة لإبداعات الأبناء، ولا يريد كثرة كاثرة من الآباء والأمهات، أن يفهموا بأن الأبناء الأحرار في خيارتهم المستقبلية العملية والإبداعية وغيرها، هم أدرى بإمكانياتهم، وأعرف بقدراتهم، وقد ثبت من التجارب، أن هناك آباء يتمنون اليوم أن يكونوا نموذجا من أبنائهم.
الأبناء الذين فُسِح لهم المجال في اختيار ما يتوافق مع قدراتهم، حققوا منجزات عملية وإبداعية كبيرة، وبنوا شخصيات مستقلة بعقول ذات تفكير دقيق ومتميز، لدرجة أن الأب يتمنى أن يكون نسخة من ابنه، فلماذا هذه الضغوط الهائلة على الأبناء، حتى يكونوا نسخًا مكررة من الآباء.
هل يمكن للأب أن يختلي مع نفسه في زاوية منعزلة وهادئة ويفكر في قضية مستقبل الأبناء، بعيدا عن التحكم الأبوي القسري، نعم على الأب أن يراقب ويتابع ويصحح الخطأ، ولكن ليس عليه فرض ما يرغب هو على أبنائه، فيدمر بذلك مواهبهم.